تخاف النساء من البوح بسبب عدم تصديق الناس لهن، وقد يلمن أنفسهن في أحيان كثيرة، فيظننّ أن الحادث صار بسببهن، ويبقين حاملات للذكرى الأليمة، والتي تثيرها كل قصة أخرى يقرأنها، أو يسمعن عنها.
(ن.ز) إحدى الناجيات تروي لحماية قصتها وترجع بذاكرتها إلى أصعب سنوات حياتها على حد تعبيرها: “تذكرت حادثاً وقع لي عندما كنت مصابة بقرحة في المعدة.
ذهبت إلى طبيب باطني، فقام بالتحرش بي؛ قام بتحسس جسدي كله. لم أصدق نفسي حينها. انصرفت، ولم أخبر أحداً. أتذكر أيضاً تعرضي للاعتداء بالضرب من زوجي، وتورم وجهي، وعدم قدرتي على الأكل مدة أسبوع. لم أخبر أحداً، حتى أمي. احتجت إلى ثماني سنوات، حتى أكشف عن ذلك لطبيبي النفسي. ذلك بسبب حالة الإنكار، وعدم رغبتي في التصديق، ولأنني لم أرغب في أن يرثي الناس لحالي. فقد اعتدت الظهور كامرأة قوية.
أتذكر أيضاً المثقف الخمسيني الذي بدأ الحديث معي حول الكتابة والشعر، ثم تطرق إلى مفاتن جسدي، ثم دعاني للذهاب معه إلى الفندق. كان يقوم بجذب يدي بالقوة لأذهب معه، مع الكثير من الإلحاح. “نفدت” منه بمعجزة، لأقرر ألا أتواصل مع أي كاتب تعجبني كتابته في المستقبل أبداً، لذلك أصدق من تخرج على الملأ، لتتهم شخصاً بالتحرش، أو الاعتداء، لأنني أعلم أن الحكي صعب، صعب جداً، خاصةً في مجتمع يكذّب الضحية، ويلومها.”
ليست النائحة الثكلى، كالنائحة المستأجرة. وشعار نصدّق الناجيات، لن يرضي الرجال بالطبع، فقد قابله كثيرون بالسخرية، بل خرجت صفحات تقول إنها ضد “الإرهاب النسوي”، وشعر كثيرون منهم بالتهديد، “فماذا لو أشارت إليّ امرأة كذباً؟ لكنه لا يعرف التكلفة النفسية لفتاة تخرج إلى العلن لتتكلم عن حادثة تحرش، وعن صدمتها، وعن الأذى النفسي الذي تعرضت له، وهي تعلم تماماً أنه لن يتم تصديقها من دون دليل، أو لأنها تأخرت في الإبلاغ. حتى الرجال، الذين يتصدون للمتحرشين، يطلبون من النساء أن يخففن اللهجة الشرسة، أو أن يرفضن شعار “ندعم الناجيات”، مطالبين إياهن أن يدعمن النساء بوجود دليل فحسب. لكن معظم حالات التحرش تكون بلا دلائل. إنه دعم مشروط،
هل النساء معصومات من الخطأ؟ ألن تدعي فتاة على رجل بالكذب أبداً؟ الإجابة المختصرة هي لا. لكن كم نسبة هؤلاء مقابل نسبة الرجال المتحرشين؟ ما تريده النساء هو متنفس، ومساحة للتعبير والشكوى. أما دعم الرجال المشروط، فلن يفيدهن كثيراً. لا تريد النساء منكم التصديق، بل يردن أن تتركوهنّ يتحدثن عن الصدمة النفسية التي حملنها أعواماً، وعن الخوف الذي يسكنهنّ، فاسمحوا لهن الآن أن يتكلمن.